سوريا الى أين؟ الأزمة في سوريا كفرصة لترسيخ مكانة إسرائيل كقوة إقليمية
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية المدمرة، لم تعد سوريا في عام 2025 البلد الموحد الذي كانت عليه في السابق. أدت الحرب التي بدأت في عام 2011 إلى تقسيم البلاد فعلياً إلى مناطق نفوذ لمجموعات عرقية ودينية مختلفة.
الأكراد في الشمال الشرقي، والدروز في الجبال، والدروز في الجنوب، والعلويون في المنطقة الساحلية، والسنة في معظم وسط وشرق البلاد معظمهم يعملون ككيانات شبه مستقلة، وأحياناً تحت رعاية قوى أجنبية مثل تركيا وروسيا، وحتى إسرائيل. ولا تعمل الدولة ككيان حاكم مركزي، كما أن سيطرة الحكومة المركزية في دمشق محدودة. وتكثفت عملية تآكل سلطة الحكومة المركزية مع سقوط نظام بشار الأسد في ك1 2024، عندما عجز النظام الجديد عن التوفيق بين الانقسامات العرقية والدينية. وفي الخلفية، تجدر الإشارة إلى أن سوريا لم تكن دولة قومية منذ البداية، بل كانت عبارة عن فسيفساء من المجموعات العرقية التي بنيت نتيجة لاتفاقيات سايكس بيكو والانتداب الفرنسي.
الرئيس السوري الشرع/الجولاني.. ضعيف وخطير أم مجرد محاور؟
تولى الرئيس السوري أحمد الشرع، المعروف أيضًا باسم أبو محمد الجولاني، السلطة بعد أن قاد الهجوم الذي شنه المتمردون والذي أطاح بنظام الأسد في ك1 2024.
الشرع هو زعيم هيئة تحرير الشام، وهي جماعة ذات جذور في الجهاد العالمي وتنظيم القاعدة، والتي ركزت على النضال ضد النظام العلوي بقيادة الأسد. وعلى الرغم من محاولاته تقديم نفسه كزعيم معتدل يرتدي الزي الغربي ويتحدث بلغة المصالحة الوطنية، فإن أيديولوجيته الجهادية ظلت دون تغيير، وتتكون دائرته المباشرة من أفراد ملتزمين بهذه الأيديولوجية. إن سيطرة الشرع على سوريا محدودة وتواجه تحديات. وهي تسيطر بشكل رئيسي على المناطق التي يسكنها العرب السنة، الذين يشكلون الأغلبية الواضحة من سكان سوريا (أكثر من 70%)، أي دمشق ومحيطها. المدن الكبرى في وسط سوريا (حلب وحمص وحماة) ومحيطها، وجنوب سوريا (على الرغم من أن القيود الإسرائيلية تنطبق على انتشار ونشاط قوات النظام في هذه المنطقة)، والمناطق الحدودية مع الدول المجاورة. وفي هذه المناطق أيضاً، يواجه التنظيم تحديات من جانب عناصر سنية تعمل على تعزيز مصالح خاصة (على سبيل المثال، البدو في الجنوب)، أو انطلاقاً من التزام جامد إلى حد ما بأيديولوجية إسلامية وطموحات للانتقام من الموالين للنظام السابق. إن غياب السيطرة الفعالة يضعف الشرع، ويجد صعوبة في توحيد البلاد تحت قيادته.
ومع ذلك، وعلى الرغم من صعوبة إرساء الشرعية الداخلية، وخصوصاً بسبب العلاقات المتوترة مع الأقليات، والتي تعني أن تصريحاته بشأن حماية حقوق الأقليات تُقابل بشكوك مبررة، فإنه يُنظر إليه في سوريا (أساساً من قبل الأغلبية السنية، ولكن أيضاً من قبل الأقليات) باعتباره الحاكم الشرعي. علاوة على ذلك، فهو يتمتع بشرعية دولية وعربية واسعة، وبدعم من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية. كل هذا يساهم في محاولاته للتعامل مع التحديات ومحاولة تثبيت حكمه، ولو على حساب الاعتماد على القوى الأجنبية.
يدرك الشرع نقاط ضعفه جيداً. وهو يدرك أن حكمه غير مستقر، وأن افتقاره إلى السيطرة الفعلية على كامل سوريا قد يعرّض منصبه للخطر. ولمعالجة نقاط ضعفه، فهو يعمل على تعزيز الالتزام بحكمه في الداخل والخارج. وهو يتقدم بحذر، معززاً بذلك قدرته على البقاء وفياً لعقيدته الأيديولوجية والسياسية، وفي الوقت نفسه يحشد الدعم من كل الأطراف، وهو أمر ضروري لخلق الظروف التي تسمح بجذب الاستثمارات لإعادة بناء الاقتصاد السوري المدمر.
إن إدراك الشرع لتعقيد وضعه يدفعه إلى استخدام خطاب خافت أيضاً تجاه إسرائيل لتجنب المواجهة المباشرة معها، إلى جانب محاولته تقديم نفسه كزعيم قوي يدافع عن السيادة السورية. وأدى دخول قوات النظام إلى منطقة السويداء (تموز 2025) إلى التصعيد، حيث لم تتردد إسرائيل في الرد بقوة لفرض مصالحها وحماية حلفائها الدروز. ومن الممكن أن تؤدي هذه الإجراءات إلى صراعات عسكرية أوسع نطاقاً، وهو ما من شأنه أن يعقد الوضع في سوريا ويؤثر على المنطقة بأكملها. إن ضعف الشرع، إلى جانب عدم رغبة الفصائل الجهادية في قبول حكمه، من شأنه أن يؤدي إلى وضع تنتقل فيه الاشتباكات إلى الحدود الإسرائيلية، ما يشكل خطراً حقيقياً على مجتمعات الجولان
تعمل إسرائيل على تعزيز مصالحها في سوريا
من خلال القوة والدبلوماسية
بعد الضربات التي وجهتها لإيران وحزب الله، وبعد سقوط نظام الأسد، رسخت إسرائيل نفسها كقوة إقليمية لديها القدرة على التأثير على سوريا أيضاً، وتعمل على تعزيز مصالحها من خلال استخدام القوة العسكرية والدبلوماسية. وتتركز هذه المصالح حول ثلاث قضايا: منع التمركز الإيراني في سوريا (وهي قضية تشكل مصلحة مشتركة بين إسرائيل والشرع)، وضمان نزع السلاح من جنوب سوريا، وحماية الأقليات، وخاصة الدروز، الذين تعتبرهم إسرائيل حلفاء لها.
ولذلك، عندما دخلت قوات النظام السوري محافظة السويداء بالأسلحة الثقيلة، خلافاً للتفاهمات بشأن نزع السلاح، وبدأت في ارتكاب مجازر بحق السكان الدروز، ردت إسرائيل بغارات جوية مستهدفة المركبات العسكرية والقوافل، وحتى الأهداف الاستراتيجية في دمشق، بما في ذلك بوابة الدخول إلى مجمع هيئة الأركان العامة وبالقرب من القصر الرئاسي. ولم تكن الهجمات الإسرائيلية مجرد رد تكتيكي، بل كانت جزءاً من سياسة أوسع نطاقاً لفرض القانون من خلال استخدام القوة العسكرية. أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس أن إسرائيل لن تسمح بدخول أسلحة ثقيلة إلى جنوب سوريا، وأنها ستتصرف بقوة ضد أي انتهاك لمنطقة نزع السلاح. وتعكس هذه السياسة موقف إسرائيل كقوة مهيمنة مستعدة لاستخدام القوة لفرض إرادتها على ما يحدث عبر الحدود، ليس فقط في سوريا، بل وأيضاً في مسارح حرب أخرى.
وإلى جانب العمل العسكري، ساعدت إسرائيل الطائفة الدرزية في سوريا، والتي تتركز بشكل رئيسي في محافظة السويداء، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية والعسكرية للميليشيات الدرزية، بل وقامت بإجلاء الجرحى لتلقي العلاج في المركز الطبي زيف في صفد. وأثارت هذه الإجراءات جدلاً بين الدروز في سوريا، حيث أيد بعضهم التدخل الإسرائيلي، بينما عارضه آخرون، مثل الشيخ حمود الحناوي، وأكدوا التزامهم بالسيادة السورية.
وبالتوازي مع استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها، تعمل إسرائيل أيضاً على المستوى السياسي. وكانت الاتصالات مع النظام السوري الجديد قد جرت حتى قبل اندلاع الأزمة الأخيرة، بما في ذلك من خلال وساطة الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وأذربيجان، لكن ذروة الاتصالات كانت بعد الهدوء النسبي في الوضع في السويداء، عندما أفادت التقارير أن وزير الشؤون الاستراتيجية ديرمر ورئيس مجلس الأمن القومي هنغبي التقيا في باريس (24 و27 تموز)، بوساطة المبعوث الأمريكي باراك، مع وزير الخارجية السوري الشيباني.
التداعيات والآفاق المستقبلية
لا يزال الوضع في سوريا متقلباً ومعقداً. ولا يُتوقع أن تتحد الدولة المجزأة قريباً في ظل حكومة مركزية قوية، ويُظهر ضعف الشرع أن أحد السيناريوهات التي يجب الاستعداد لها هو استمرار مشاكل السيطرة بل وتوسعها. وتستمر إسرائيل، باعتبارها قوة إقليمية، في استغلال الفراغ الحكومي لتعزيز مصالحها، ولكن أفعالها ليست خالية من المخاطر، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن التدخل العسكري في سوريا قد يثير معارضة من تركيا.
علاوة على ذلك، فإن دعم إسرائيل للدروز، على الرغم من نواياها الأخلاقية والاستراتيجية، يسبب جدلاً داخل المجتمع الدرزي نفسه. وفي حين يرى بعض الدروز أن إسرائيل تمثل حامية لهم، يخشى آخرون أن يؤدي تدخلها إلى زيادة التوترات مع النظام السوري وتعريض وضعهم للخطر. وعلاوة على ذلك، فإن الدعم الإسرائيلي للأقليات الدرزية، وربما الأكراد أيضاً، يمكن اعتباره محاولة لتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ منفصلة، وهو ما يتعارض مع موقف العديد من البلدان، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وتركيا.
وبما أنه لا يبدو أن الوضع في سوريا سيستقر قريباً، فسوف تكون القيادة الإسرائيلية مطالبة بدراسة مسار العمل الصحيح لها من بين عدة بدائل. ولكن في نهاية المطاف، من أجل الوقوف وراء تصريحات رئيس الوزراء ووزير الدفاع بشأن حماية الأقلية الدرزية، سيكون لزاماً علينا إحداث تغيير حقيقي في الفضاء، يكون محوره الرئيسي بناء القدرة على التأثير في جبل الدروز، بما في ذلك إنشاء قوة مسلحة درزية تحت رعاية إسرائيلية. وفي الوقت نفسه، سيُطلب من إسرائيل مواصلة فرض نزع السلاح في جنوب غرب سوريا (من دمشق إلى الجنوب). وقد تضطر إسرائيل أيضاً إلى توسيع المنطقة العازلة لمنع العناصر الجهادية من التسرب إلى هذه المنطقة وإلى مرتفعات الجولان.
بالإضافة إلى ذلك، هناك إمكانية لدراسة بدائل مثل إنشاء ممر بري من جنوب مرتفعات الجولان إلى منطقة السويداء، الأمر الذي يتطلب وجود جنود الجيش الإسرائيلي في المنطقة في بعض الأحيان. وفي الوقت نفسه، يمكن لإسرائيل أن تعرض على السكان الدروز الراغبين في ذلك الانتقال إلى منطقة أقرب إلى الحدود الإسرائيلية. ومن المؤكد أن البديل الرئيسي يتضمن الترويج العلني لتقسيم سوريا إلى كيانات مستقلة وفقاً لمناطق سيطرة المجموعات العرقية المختلفة: الدروز في الجنوب الغربي، والأكراد في الشمال، والعلويين في الغرب، والسنة في وسط البلاد
في الختام، يمكن القول إن سوريا في عام 2025 ستكون بلداً مجزأً، حيث تتصارع مجموعات عرقية ودينية مختلفة من أجل السيطرة والحكم الذاتي. تظل سيطرة الرئيس السوري أحمد الشرع على البلاد محدودة، وتظل سياساته المعقدة والغامضة تثير المخاوف بين الأقليات في سوريا وبين القيادة في إسرائيل. وتعمل إسرائيل على تعزيز مكانتها كقوة إقليمية قادرة على فرض مصالحها من خلال القوة العسكرية والدبلوماسية. وتعكس عملياتها في جنوب سوريا، بما في ذلك فرض نزع السلاح وحماية الدروز، نهجاً إنفاذياً يهدف إلى ضمان تعزيز الأمن الوطني والتأثير على الواقع الأمني والسياسي عبر الحدود. إن الخطر الأعظم من وجهة نظر إسرائيل هو انزلاق الجهاديين في حين يغض النظام في دمشق الطرف بشكل يعرض المستوطنات في مرتفعات الجولان للخطر، ويجب على إسرائيل أن تبني ردا مناسبا على هذا التهديد.
معهد القدس للأبحاث الاستراتيجية – العقيد بروفيسور غابي سيبوني والعميد إيرز فاينر
