سفن حربية إلى شواطئ الكاريبي.. أمريكا تصعد ضد فنزويلا
بقلم ابتسام الشامي
عاد التوتر ليخيم على العلاقات الأمريكية الفنزويلية، مع استفزاز واشنطن كاراكاس بإجراءات انطوت على قرار أمريكي بالتصعيد ضد الدولة الموضوعة على لائحة التغيير السياسي في البيت الأبيض.
سفن حربية، وانتشار عسكري مضاد
واصلت الولايات المتحدة الأمريكية ارسال رسائل العداء للنظام الرسمي القائم في فنزويلا، وبعد فشل سنوات من العمل في دعم المعارضة والاعتراف بزعيمها رئيساً للبلاد، عادت إلى العمل لهز استقرار البلاد على أمل إنتاج ظروف من شأنها أن تضعف الحكم المنتخب بما يؤدي إلى التغيير السياسي المنشود من قبلها.
وإذا كانت واشنطن التي سبق أن لوّحت بالتدخل العسكري لإسقاط النظام الفنزويلي، بعد فرض عقوبات خانقة عليه، قد عملت خلال السنوات الماضية من خلال أدواتها الداخلية، فإنها تبدو أكثر تحفزاً للعمل المباشر على تحقيق أهدافها وإن اختارت عنواناً موارباً هو مكافحة تجار المخدرات، حيث أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول استعدادها لاستخدام القوة العسكرية ضد عصابات المخدرات في أمريكا الجنوبية. وبالانتقال من التهديد إلى التنفيذ، أمر الرئيس الأمريكي “البنتاغون”، بإرسال ثلاث سفن حربية لاعتراض عصابات المخدرات قبالة سواحل أمريكا الجنوبية، بما في ذلك بالقرب من فنزويلا. ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمريكي رفض ذكر اسمه أن السفن المتجهة إلى فنزويلا هي “يو إس إس غرافلي” و”يو إس إس جيسون دنهم” و”يو إس إس سامبسون”. مضيفاً أن “نحو أربعة آلاف بحار وعناصر تابعة لقوات مشاة البحرية الأمريكية سيجرى نشرهم في منطقة الكاريبي الجنوبي، إلى جانب عدة طائرات تجسس من طراز “بي-8″، وسفن حربية، وغواصة هجومية واحدة على الأقل. وأوضح المسؤول الأمريكي أن “هذه القوات والقدرات العسكرية ستعمل في الأجواء والمياه الدولية لعدة أشهر، وستشمل مهامها عمليات استخبارات ومراقبة، إضافة إلى إمكانية تنفيذ ضربات دقيقة”.
بدورها فنزويلا قرأت في نشر السفن الحربية في البحر الكاريبي أمر عمليات بالتصعيد ضدها، فسارع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى التعهد بالدفاع عن السيادة الوطنية أمام الهجمة الأمريكية، مؤكداً أن “أحداً لن يجرؤ على المساس بأرض البلاد”. ورداً على التهديد بالمثل، قال مادورو، إنه سينشر في بلاده 4.5 مليون عنصر مسلّح للتصدّي لتهديدات الولايات المتحدة بعد نشر قواتها في منطقة البحر الكاريبي. وفي خطاب بثه التلفزيون الرسمي أوضح مادورو أنه سيفعّل خطة خاصة تتضمن نشر أكثر من 4.5 مليون عنصر مسلح لضمان تغطية كامل أراضي البلاد، مضيفًا أن هذه العناصر ستكون مجهزة ومفعلة ومسلحة.
واشنطن ومضاعفة مكافأة القبض على مادورو
رسائل التصعيد الأمريكية ضد فنزويلا، جاءت بعد وقت قصير من مضاعفة الولايات المتحدة قيمة المكافأة التي رصدتها للقبض على الرئيس الفنزويلي، “المطلوب للقضاء الفيدرالي الأمريكي بتهم اتجار بالمخدرات”. وقالت وزيرة العدل الأمريكية، بام بوندي، في تدوينة عبر منصة “إكس” مطلع الشهر الجاري: “تعلن وزارتا العدل والخارجية عن مكافأة قدرها 50 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على نيكولاس مادورو”، ورصدت هذه المكافأة لمن يدلي بمعلومات تساعد على القبض على الرئيس الفنزويلي ومحاكمته بتهم مخدرات وفساد. علماً أن هذه التهم هي استعادة من أرشيف الولاية الأولى للرئيس ترامب، حين اتهم نظيره الفنزويلي بالمشاركة والتواطؤ في الاتجار بالمخدرات على الصعيد الدولي.
مواقف دعم وتحذير
التصعيد الذي افتتحته الولايات المتحدة الأمريكية استدعى على المستوى مواقف تحذيرية وشاجبة. في هذا الإطار قالت المتحدثة باسم الأمم المتحدة دانييلا جروس دي ألميدا إن الأمين العام للمنظمة أنطونيو غوتيريش حث الولايات المتحدة وفنزويلا على “تهدئة التوتر وضبط النفس وحل خلافهما بالوسائل السلمية”.
بدورها، أدانت وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية تهديد أمريكا باستخدام القوة ضد السيادة الوطنية ووحدة الأراضي الفنزويلية، محذّرة من التبعات والتداعيات الخطيرة لمغامرات أمريكا على السلم والأمن في منطقة الكاريبي. مؤكدة أن الممارسات الأمريكية هذه، والتي تأتي استمراراً لسياسات التدخل غير القانوني حيال شعب فنزويلا، تُعد انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة. وإذ أعلنت الخارجية الإيرانية تضامنها مع شعب وحكومة جمهورية فنزويلا البوليفارية، شددت على ضرورة تحرك عاجل من مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة إزاء الوضع المحتمل الخطورة المهدّد للسلم في منطقة الكاريبي.
وفي سياق متصل بالتحذير من التصعيد في منطقة الكاريبي، استنكرت الصين بشدة التصعيد العسكري الأمريكي قرب سواحل فنزويلا، في وقت ترسل فيه الولايات المتحدة الأمريكية مدمّرات إلى المنطقة لمواجهة تهديد يُزعم أنه صادر عن عصابات المخدرات.
وأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ أن بكين رفضت بشدة “أيّ خطوة تنتهك أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وسيادة وأمن الدول”، محذّرة من “التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لفنزويلا تحت أي ذريعة”. وجاء هذا الموقف بينما استضاف الرئيس نيكولاس مادورو السفير الصيني في كراكاس، لان هو، وشدّد على “التقدم الملحوظ” في المشاريع المشتركة بين البلدين. وأضافت ماو نينغ أن على الولايات المتحدة أن “تفعل المزيد من الأمور التي تساهم في السلام والأمن في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي”.
خاتمة
في وقت يدّعي فيه الرئيس الأمريكي العمل بكل قوة على إخماد الحروب، يسعى بقرار منه إلى إنتاج بؤر جديدة للتصعيد قابلة للاشتعال في أي لحظة، وهو إذ يناقض بأدائه هذا وعوده الانتخابية، فإنه ينسجم تماماً مع شخصيته المخادعة وتاريخ أسلافه في المكر والخداع تحت شعار تأمين مصالح أمريكا وحمايتها.
