مُخَطط “غَزّة الجَديدة” نُقطَة تَماس الاقتصاد الخليجي مع الغَرب
بقلم زينب عدنان زراقط
تقرير استخباراتي عن خطة ما بعد حرب “غزة” يشمل وصاية أمريكية لعشر سنوات، وتحويل القطاع إلى منطقة استثمارية – سياحية (“ريفيرا – ترامب – في الشرق الأوسط”)، ضمن مُخططٍ صهيوني ودعمٍ عربي…
غزة ضمن مشروع يُسمى GREAT Trust كشفت صحيفة واشنطن بوست – 31 أغسطس 2025، عن خطة سرية حول مخطط إدارة ترامب بإعادة إعمار “غزة”، بحث بعنوان Gaza postwar plan envisions ‘voluntary’ relocation of entire population، ألا وهو خطة ما بعد الحرب على غزة، التي تتخيل نقلاً “طوعياً لكامل السكان، تُسلط الضوء على أسئلة جوهرية تتعلق بالحرب في قطاع غزة، منها: لماذا دونالد ترامب لم يتدخل لوقف الحرب حتى الآن؟ ماذا بعد تدمير إسرائيل للقطاع بأكمله واحتلاله؟ إلى ماذا تُخطط أمريكا وإسرائيل وما هي الأهداف الحقيقية وراء “غزة”…؟
تصريح دونالد ترامب الأول بعد توليه الرئاسة في يناير 2025، حين أعلن في طائرة أن “الحل الأنسب لقطاع غزة هو تهجير سكانه إلى سيناء أو الأردن”. هذا التصريح لم يكن عفوياً أو مجرد فكرة عابرة، بل كان نتيجة مخطط مفصل أعده جوزيف بيلدمان، أستاذ في معهد واشنطن وصهيوني، الذي وضع خطة شاملة لتهجير سكان القطاع. وعقب تصريح ترامب، بدأ لُوبي صهيوني في الولايات المتحدة بالعمل على تحويل هذه الخطة إلى واقع، حيث بدأ رجلا أعمال صهيونيان أمريكيان، مايكل أيزنبرج وليران تانكمان، في تأسيس صندوق لجمع أموال إعادة إعمار قطاع غزة بعد الاحتلال. هذان الرجلان لهما خلفيات عسكرية واستخباراتية ويعملان مع وزارة الدفاع الإسرائيلية، ما يزيد من خطورة هذا المخطط.
يشرح التقرير أن إسرائيل تسيطر حالياً على 75 -80% من مساحة غزة، بما في ذلك مناطق سكنية هامة واستراتيجية في مدينة غزة مثل حي الزيتون والمناطق الشرقية وشمال القطاع. على الرغم من ذلك، يعترف كبار قادة الجيش الإسرائيلي، بمن فيهم وزير الدفاع ورئيس الأركان، بأنه حتى دخول المدينة لن يقضي على حركة حماس. المخطط الإسرائيلي لا يهدف فقط للقضاء على حماس، بل لاحتلال كامل قطاع غزة وإدارته بشكل مباشر، حيث ستُفرض إدارة عسكرية إسرائيلية على القطاع لمدة سنة على الأقل، ثم تُسلمه إلى إدارة أمريكية. هذا النموذج مشابه لما حدث في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية حين سيطرت الولايات المتحدة على تلك المناطق لفترة.
الخطة تتضمن “نقلاً طوعياً” لسكان غزة مقابل وعد بمساعدات مالية ورموز رقمية تُعوض المالكين. لا تتضمن الخطة ذكراً للدولة الفلسطينية، هناك قوات دولية، قد تكون من أوروبا أو من دول عربية، لتأمين المنطقة. في السياق ذاته، بدأت مصر بتدريب آلاف من الشرطة الفلسطينية بالتنسيق مع الأردن والسلطة الفلسطينية، لاستلام المسؤولية الأمنية في القطاع بعد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يؤكد وجود مخطط أمني وسياسي متكامل للسيطرة على القطاع. كما يشير التقرير إلى أن الجانب الخليجي، وخصوصاً السعودية والإمارات، هما من يمولان إعادة إعمار غزة الجديدة، والتي ستكون مركزاً تجارياً مهماً في المنطقة، مع ربطها بممرات تجارية دولية باسم قادة خليجيين.
“الكوريدور الخليجي الأوروبي”
تمويل هذا المخطط لا يأتي من أمريكا أو إسرائيل، بل من دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات، وهو البند الأساسي الذي تعمل عليه الولايات المتحدة وإسرائيل بقوة في الوقت الحالي. دول الخليج التي ستشارك في تمويل بناء “مدينة غزة الجديدة” بدون حماس وبمواصفات تخدم مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية، مع استغلال موارد الغاز الطبيعي الغنية في القطاع، والتي تعتبر مهمة جداً لمشاريع “الكوريدور الخليجي الأوروبي”.
هذه المدينة ستُطرح على الدول الخليجية كمدينة خالية من سيطرة حماس، وسيُسكَن فيها فلسطينيون يتم اختيارهم بما يتناسب مع مصالح الخليج، وتُروَّج المدينة على أنها مشروع حضاري جيد للغاية. من المهم معرفة أن موارد قطاع غزة تشمل حقل غاز مهم لم يُستغل بعد، وقد اكتُشف هذا الحقل قبل حقل ليفياثان الإسرائيلي وحقل ظُهر المصري، ما يجعله من الحقول القديمة والغنية. لذلك، يُتوقع أن تصبح غزة منطقة غنية بالموارد وبها قوة عاملة كبيرة، ما يجعلها موقعاً اقتصادياً وتجارياً حيوياً.
إلى جانب ذلك، سيكون قطاع غزة الميناء الأساسي لما يُسمى “الكوريدور الخليجي الأوروبي”، حيث كانت الولايات المتحدة سابقاً تخطط لنقل البضائع من الهند إلى موانئ الإمارات ومنها براً إلى الأردن ثم عبر جسر اللنبي إلى إسرائيل ومنها إلى البحر، لكن كان قطاع غزة هو العائق الأكبر في هذا المخطط. الآن تُعرض غزة كميناء أساسي بدلاً من موانئ حيفا أو إيلات، وستصبح المدينة التجارية الرئيسية في المشروع، مع إنشاء طريق دائري في القطاع مقسم إلى مسارين يُسميان MBS وMBZ نسبة إلى محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، لتحفيز دول الخليج على التمويل والمشاركة. هذه الخطة التي يعمل عليها دونالد ترامب حالياً هي السبب في عدم توقف الحرب، إذ يرى أن استمرارها ضروري لتحقيق هذا المشروع تحت حجة أنه سيقدم حياة أفضل للفلسطينيين!. هذه الخطة في جوهرها مؤامرة لإجبار سكان غزة على ترك أراضيهم عبر التهجير أو الحصار، ويغير هوية القطاع نهائياً وتدمير نسيجه الاجتماعي.

ورقة اتهام للسعودية في هجوم 11 أيلول
اللافت ذكره أن قاضٍ فيدرالي في نيويورك وافق مؤخراً على المضي قُدماً في دعوى مرفوعة من أسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر ضد المملكة العربية السعودية، استناداً إلى أدلة عن عميل استخبارات سعودي كان على علاقة مباشرة بمنفذي الهجمات وذُكر أنه استأجر لهم شقة في أمريكا، وظهرت في منزله مذكرات ورسوم تُشير إلى تخطيط للهجمات.
من بعد تعديل القانون الأمريكي لعام 1967 كان يمنع رفع دعاوى ضد دول، عام 2016 من قِبل الكونغرس بعد ضغوط من أهالي الضحايا، ليسمح بمقاضاة دول مثل السعودية. ويُذكر أنه عند تمرير القانون عام 2016، هددت السعودية ببيع سندات الخزانة الأمريكية وسحب استثماراتها، رداً على السماح برفع دعاوى ضدها، وهو ما يُشير إلى الأبعاد الاقتصادية الخطيرة للملف وحساسيته.
على الرغم من مرور أكثر من 20 عاماً على الهجمات، وخصوصاً مع اقتراب تاريخ الحادي عشر من أيلول هذه السنة، يرى البعض أن إعادة تحريك القضية يعود لأسباب سياسية، ورُبما هي أقوى ورقة ضغط بيد أمريكا ضد السعودية حتى تُرغمها على تمويل إعادة إعمار غزة أو أنها تُغرّم بتعويض ضحايا مركز التجارة العالمي بقيمة 36 مليار والتي هي تساوي قيمة التعويضات الأمريكية التي تكلفتها حينها سنة 2001 جراء هذا الهجوم، ولن تنتهي بمستحقات ومساعدات مستمرة والملاحقة بقضايا متوالية.
في الختام، إثارة هذه القضية السعودية تزامناً مع طرح المشروع الأمريكي في “غزة” حساسة للغاية، خصوصاً مع اقتراب زيارة ولي العهد السعودي إلى البيت الأبيض المرتقبة في نوفمبر القادم. حيث لا يوجد تصوّر آخر غير أن السعودية ستضرب عصفورين بحجر، نيل الرضى الأمريكي والنفاذ من قضية الاتهام في هجوم 11 أيلول. ولكن مثل هكذا قرار ستكون تكلفته قاسية جداً من قبل المسلمين، فهل يُسلب منهم تكليف “خدمة الحرمين الشريفين”؟ وماذا يبقى للسعودية بعد “مال الحجيج” من إيرادات لتهبها للمشاريع الأمريكية؟!.
