الدعاية المدنية في حرب غزة – الخبر في ساحة التأثير
(الاستفادة والصراع على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الدعاية خلال حرب “سيوف حديدية”)
ترجمة وإعداد: حسن سليمان
بخلاف جولات قتالية سابقة مقابل حماس، يبدو أنه في حرب “سيوف حديدية” لم ينضم فقط مؤثرون في الشبكة “مهنيون” إلى الصراع على الوعي في أنحاء العالم، إنما أيضاً آلاف المدنيين الإسرائيليين. بالإضافة، أقيمت عشرات وربما مئات غرف العمليات المدنية التي تضخ مواد دعائية، ونشأت مجموعات عمل في مجالات التكنولوجيا والوعي، التي تهدف لجعل الدعاية أكثر فعالية.
أيضاً فرع الهاي تك تجنّد وبرزت مبادرات دعائية كثيرة في مجالات عمل تحولت إلى غرفة عمليات دعائية ذات صلة. وزارات الحكومة المعنية والأجهزة الأمنية طالبت بالاستعانة بقوة الدعاية المدنية. مع هذا، مع مرور الوقت، قسم بارز من المنظمات أُغلق بعدما كشف المبادرون أن هذه الجهود غير مجدية أمام تسونامي الوعي المؤيد للفلسطينيين في أنحاء الكرة الأرضية، أو لأنه مطلوب من أفرادها العودة إلى العمل. الدعاية المدنية بأحجام كبيرة هي ظاهرة جديدة، وفي ضوء استمرار المعركة يجب دراسة مواصفاتها وطرح اقتراحات حول كيفية توسيع مساهمتها في المعركة على الوعي، التي تخسر فيها إسرائيل بشكل عام.
في إطار رسم خريطة مبادرات الدعاية المدنية الإسرائيلية، الموجهة نحو الغرب، الذي جرى في معهد ناخون مطلع شهر كانون الأول وبمساعدة “خريطة الدعاية الإسرائيلية” (hasbara.com)، أحصيت نحو 120 غرفة عمليات، 40 منظمة تُعنى بتطوير أدوات تكنولوجية لحاجات دعائية و100 بنك معلومات يُعنى بالدعاية بمختلف قضاياها، في الوقت الذي في مراحل مسبقة كان عددهم أعلى بكثير. معظم هذه المبادرات (نحو 72) مرتكزة على متطوعين وليس لأهداف ربحية، والقليل من كل هذه المبادرات (نحو 13) تناول الدعاية قبل اندلاع الحرب. إلى جانب المبادرات المعتمدة على متطوعين، يمكن إيجاد شركات تكنولوجية وشركات نشر التي حولت قسماً من عملها إلى حاجات دعائية، جهات من الأكاديمية العاملة في الدعاية وكذلك منظمات دعائية عملت في النشاط الدعائي المؤيد لإسرائيل وكذلك المتعلق بمكافحة المعاداة للسامية قبل الحرب. معظم المنظمات التي دُرست تعمل أمام الجالية الأجنبية التي تتحدث الإنكليزية، من بينها المنظمة القديمة Stand With Us، وكذلك DiploAct خطة باسم جامعة رايخمن التي تُعنى بالدعاية في العالم. غرف عمليات كثيرة تُعنى بتطوير ونشر محتوى. أبرزها هي هيئة إعادة المخطوفين والمفقودين. بالإضافة، يوجد مؤثرون، يعملون بشكل مستقل من أجل الدفع قدماً بالدعاية الإسرائيلية في الخارج.
يمكن الإشارة إلى عدة أسباب لقيام هذه المنظمات: أولاً، الاعتراف بأن الحديث في شبكات التواصل الاجتماعي يميل للإساءة لإسرائيل والفلسطينيون يستفيدون منه بدعم شبه أوتوماتيكي. ثانياً في ضوء تزايد المعاداة للسامية، ثمة حاجة لنقل رسائل تدافع عن جاليات يهودية في الخارج. وثالثاً، شعور بعض المتطوعين بأن الرد الإسرائيلي الرسمي رديء، سيما في بداية الحرب، ولذلك المنظمة تعكس حزماً مدنياً. ثمة سبب إضافي كان الرغبة بالمساهمة في الجهد الحربي بشكل إبداعي من خلال إنجاز ذاتي.
طرق عمل الدعاية المدنية
معظم الدعاية المدنية تركّز على نشر مواد وبرامج تتناسب مع مجموعات مختلفة في شبكات التواصل الاجتماعي، من جملة أمور بغية تشجيع الناس على رفع مندوبين، لتنظيم تظاهرات مؤيدة لإسرائيل والمشاركة فيها. هذه النشاطات تمت علناً أو بدون انحياز (NO LOGO). جهات كثيرة تعمل على إقامة مواقع هادفة لمعلومات وسرديات تؤيد الموقف الإسرائيلي، التي تهدف للنشر في وسائل التواصل الاجتماعي. ثمة طريقة عمل إضافية لصنع أدوات تقنية: شركات تكنولوجية تحول منتجات موجودة لترجمة، جمع وتنظيم مواد الدعاية. كذلك، يتم تدريب غرف العمليات المدنية من قبل جهات مهنية رائدة.
قسم من المنظمات تؤكد الحاجة للانتقال من الدعاية إلى تحديد جدول أعمال ومن الرد إلى المبادرة والوقاية، من خلال جهد للوصول إلى الشرائح الهدف التي لا تؤيد إسرائيل. بينما الدعاية مزروعة في محاولة الاحتماء، التأثير لا يُستغل، يروي قصة ويتوجه إلى شعور شرائح هدف مختلفة. ثمة طرق إضافية هي التشديد على القيم المشتركة بين إسرائيل والعالم الغربي – الليبرالي، وكذلك التشديد على تهديد الإرهاب، المشترك بين العالم الغربي كله. السردية المقارنة بين حماس وداعش هي مهمة لإخفاء انتقاد نشاطات إسرائيل في قطاع غزة.
التعاون بين المنظمات يضاعف القوة بشكل مهم. من بينها مجموعات تجمع عدة غرف عمليات – على سبيل المثال -، مجموعة “مزامنة غرف عمليات دعائية”، التي تضم نحو 100 منظمة مستقلة. التعاون بين المنظمات مهم ليس لنشر مواد فقط، إنما أيضاً للتشاور حول طرق عمل وفهمها وأساليب ضبط رسائل. مجموعات واتس آب أخرى تنزل محتوى ورسائل للنشر (هكذا على سبيل المثال، مجموعة “مواد دعائية للنشر”، التي تحصي نحو ألف عضو).
مساهمة الدعاية المدنية
إن مساهمة جهات الدعاية والتأثير المدنية تكمن في قدرة ردها السريع وفي نشاطها الواسع في الشبكات الاجتماعية. دولة إسرائيل الرسمية انتظرت نتائج فحص الجيش، بينما في قنوات الإعلام الدولية المركزية – تألق عنوان “إسرائيل القاتلة”. عمل مكثف، حازم وعلى مدى ساعات من مؤثرين إسرائيليين دُعم من صحافيين كبار مع مئات آلاف المتابعين في البلاد وفي العالم – نجح في تخفيف، وإن قليلاً، التأثير المدمر لحماس.
مع هذا، يُطرح سؤال إزاء القدرة على قياس تأثير هذه المنظمات في الساحة الدولية: يبدو أن قسماً بارزاً من نشاط دعاية جهات مدنية ينعكس على المجتمع الإسرائيلي في الداخل، وينجح بشكل أقل في البروز في أنحاء العالم. ثمة طريقة أخرى لتقييم التأثير وهو فحص انتشار الروايات السابقة في الشبكات الاجتماعية. هكذا على سبيل المثال، نداءات تحرير المخطوفين والروايات الشخصية نالت صدى كبيراً في الشبكة الاجتماعية، وإلى جانبها استنكارات جهات في أنحاء العالم التي أزالت صورها من المجال العام. ثمة طريقة قياس إضافية هي أعمال ضد جهات تنفي ما قامت به حماس، التي حظيت بتعاطف مرات عديدة بواسطة الوسائط الإعلامية الاجتماعية. هكذا على سبيل المثال، سامنتا بيرسون، مديرة مركز في جامعة ألبرتا في كندا التي نفت جرائم ضد النساء التي نفذتها حماس، أقيلت بعد أعمال حازمة إسرائيلية في مجال الجندرة، التي نالت تعاطفاً كبيراً في الشبكات الاجتماعية.
يُذكر أنه توجد رسائل وإجراءات قد تلحق ضرراً بالمصلحة الإسرائيلية. هكذا على سبيل المثال، أشرطة فيديو ومواد وحشية، نشرها مبادر خاص في موقع يعود لحماس، على ما يبدو. هذه المحتويات تضمنت التباهي بأعمال قتل وكذلك صور وأشرطة فيديو مرعبة. فائدة موقع كهذا لمصلحة إسرائيل مشكوك فيها، سيما لأنه سرعان ما تبين أنه وهمي. بالإضافة، بعض الرسائل الهادفة لرفع المعنويات في إسرائيل قد تؤثر بشكل سيء على صورة إسرائيل بنظر الشريحة الأجنبية الهدف. مثلاً، الصورة التي نالت شهرة كبيرة، وظهر فيها جندي يجلس على كرسي في قطاع غزة، ومن خلفه كُتب بالعبرية على مبنى: “بدأنا نتحدث باللغة العربية، أهلاً وسهلاً بكم في جهنم”.
العلاقة بين الدعاية المدنية ووزارات الحكومة
بعض المنظمات الدعائية تعمل بشكل مستقل دون علاقة بالجهات الدعائية الرسمية، وغير معنية بالتوجيه بالنسبة للرسائل أو لأسلوب العمل. هذه المنظمات هي ذات قدرات متقدمة في مجالات الإعلام، النشر والشبكات الاجتماعية ولذلك يبرز نجاحها في الرد بسرعة وفعالية على التطورات في المجال الرقمي. إلى جانب هذا، ثمة جهات معنية بالتعاون مع الجهات الرسمية. في الأسابيع الأخيرة سُجل تقارب بعض المنظمات من وزارات الحكومة، تجسد في دعم مواردي لها وفي استلام رسائل رسمية منها. وزارات الحكومة تساعد جهات المجتمع المدني المعنية بذلك، من جملة أمور بواسطة هبات لمبادرات مختلفة. مثلاً، أثناء الحرب نُشر نداء لوزارة الشتات يقترح مساعدة بالموارد لمبادرات دعائية مدنية وتم دعم المنظمات التي توفر استخبارات لإجراءات دعائية.
استنتاجات وتوصيات
منظمات مدنية تعمل لصالح الدعاية أو تأثير إسرائيلي في الساحة الدولية هي ظاهرة جديدة، تجري سواء بشكل وثيق من وزارة حكومية أو بشكل مستقل. هذه المنظمات هي موثوقة وتصنع ثقة كبيرة كونها تأتي من المدني الصغير (على شاكلة الفلسطينيين وأيضاً الأوكرانيين)، هي لا تسعى للحلول مكان المؤسسة إنما تشارك مدماك حيث الدولة كدولة لا يمكنها نقله. ثمة ميزة واضحة إضافية لمجموعات مدنية في نشر وتحريك حملات إعلانية bottom up- بحيث تتيح مشاركة عالية للشرائح الهدف، أكثر من المشاركة في حملات إعلانية رسمية.
مع هذا، بعد نحو شهر من اندلاع الحرب، حصل خمود سريع في حجم المنظمات وثمة فجوة بين المنظمات التي تنجح في الدفع قدماً بسرديات تخدم المصلحة الإسرائيلية في الساحة الدولية وبين غرف عمليات أخرى، تفتقد تأثيراً حقيقياً على الحديث أو ترجع صدى رسائل إلى الداخل الإسرائيلي. من أجل وقف هذا المنحى وتشجيع دوام عمل المنظمات المدنية.
1. مطلوب انتقال مفاهيمي من جهود دعائية وقائية، تحاول تبرير موقف إسرائيل بواسطة حقائق فقط، إلى جهود تأثير موجهة لصياغة جدول أعمال وسط الشرائح الهدف المعنية.
2. وزارات الحكومة التي تُعنى بالدعاية مطلوب منها المساعدة عند الضرورة بالموارد، مثل أيام احتياط لأصحاب وظائف في المنظمات المدنية: تدريب، استخبارات ومنح طريق وصول إلى مواد دعائية مهنية.
3. من الجدير ذكره أن بعض هذه المنظمات التي نشأت أثناء الحرب معنية بالحفاظ على الاستقلالية ولا ترغب بتوجيه من الدولة. هذا صوت فريد، له مكانة في خريطة الدعاية المدنية في إسرائيل وبإمكانه قيادة جهود تأثير حقيقية ومفاجئة أيضاً.
معهد بحوث الأمن القومي – دايفيد سيمان طوف وعنبار برايفلد