دوليات

إلى جانب الصين وروسيا.. كوريا الشمالية تعزز مكانتها الدولية

بقلم ابتسام الشامي

رسائل الحضور

انطوى حضور زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، العرض العسكري الصيني الضخم مطلع الشهر الجاري على الكثير من الرسائل في لحظة سياسية شديدة التعقيد والحساسية. الزعيم الذي لم يشارك منذ توليه السلطة في أواخر عام 2011، في أي حدث دبلوماسي متعدد الأطراف، خطفت صورته إلى جانب نظيريه الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، الانظار بما حملته من أبعاد مرتبطة بتوثق عرى التحالف بين الدول الثلاث التي تضعها الولايات المتحدة الأمريكية في دائرة الاستهداف. وإذا كان من الصحيح القول إن العلاقات بين بكين وموسكو وبيونغ يانغ قائمة منذ زمن بعيد، إلا أن السياسية العدائية لواشنطن اتجاها، أعطت قوة دفع لتعزيزها وتمتينها، وهو ما اختبر عملياً في مساعدة الجيش الكوري الشمالي روسيا في حسم معارك أساسية لها في شرق أوكرانيا، هذا فضلاً عن تزويدها بالأسلحة التي تحتاجها في معركة آخذة في التوسع جغرافيا وزمنيا، وهو ما أدى إلى نمو ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الشمالية، الذي ارتفع بحسب وكالة بلومبرغ الأمريكية من 3.1% في 2023  إلى 3.7% في 2024 في أسرع وتيرة نمو تشهدها البلاد منذ 2016.  النمو الاقتصادي الذي تحدثت عن الوكالة الأمريكية كان له من وجهة نظرها تأثير قوي في السياسة ايضا، “فالتحول بعد سنوات من الانكماش بفعل جائحة كوفيد -19، يمنح كيم ثقة إضافية للعودة إلى الدبلوماسية الدولية”.

تعزز التحالف مع روسيا والصين

على أن هذه العودة إلى الساحة الدولية كما تصفها بلومبرغ لم تكن أسبابها اقتصادية فحسب بل سياسية في الأساس، وهي نتاج طبيعي للخيارات السياسية لكوريا الشمالية التي ربطها تحالف وثيق مع الصين تنامى خلال السنوات الماضية ليبلغ مرحلة متقدمة بفعل التحولات الجارية على الساحة الدولية، وفي مقدمها استراتيجية الولايات المتحدة لتقويض النفوذ الصيني على الساحة الدولية، وهو ما استدعى من بكين تعزيز علاقاتها الدولية وتوثيق تحالفاتها، ومن بينها مع بيونغ يانغ. وكان لافتاً في هذا الإطار، دعوة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تعزيز التعاون مع كوريا الشمالية في أول لقاء له مع كيم جونغ أون منذ ست سنوات في بكين، على هامش العرض العسكري. ونُقل عن شي قوله أيضاً “يتعين على الصين وكوريا الشمالية تعزيز التنسيق الاستراتيجي في الشؤون الدولية والإقليمية لحماية مصالحهما المشتركة”، مشدداً على أن بلاده “مستعدة لتعزيز التعاون رفيع المستوى والتواصل الاستراتيجي مع كوريا الشمالية.. والتفاهم والصداقة وتكثيف الحوار معا على جميع المستويات والتعاون في مختلف المجالات”.

بدوره، أكد الزعيم الكوري الشمالي للرئيس الصيني، عزمه على تطوير العلاقات بين البلدين بصرف النظر عن الأوضاع الدولية. وقال كيم، إن “شعور الصداقة بين جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية والصين لن يتغير أيا كان تطور الوضع الدولي”. مضيفاً أن “عزم حزب العمال الكوري والحكومة على تطوير العلاقات بصورة متواصلة بين جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية والصين لا يتزعزع”.

ويستند هذا المستوى من التطور في علاقات البلدين إلى قاعدة متينة من التعاون المشترك على مدى عقود من الزمن. فالدولة تشترك في معظم حدودها الشمالية مع الصين، كانت قد ارتسمت علاقتها مع جارتها خلال فترة الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي، وباتت بكين مصدراً حيوياً للدعم الدبلوماسي والاقتصادي والسياسي لجارتها النووية. وعلى الرغم من واقع العلاقات الوثيق الذي يجمع الدولتين، إلا أن كيم لم يزر، جارته منذ 6 سنوات، قبل أن يتوجه مطلع الشهر الجاري إلى بكين لحضور عرض “يوم النصر”، الذي احتفلت فيه الصين بانتصارها على اليابان والفاشية خلال الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي وفر له فرصة اللقاء بالزعيمين الروسي والصيني، حيث التقطت عدسات كاميرات المؤسسات الإعلامية لأول مرة صورة تجمع الزعماء الثلاثة يسيرون معاً ويتبادلون أطراف الحديث، في ما اعتبر رسالة قوية للأعداء.

بيونغ يانغ لواشنطن: ممنوع المس بالنووي

تطور العلاقات بين الدول الثلاث جاء مدفوعاً كما أشرنا بالعداء الأمريكي المقرون باستراتيجية عمل لإضعاف أطراف “التحالف” وإشغاله كل على حدة. وفي ما خص كوريا الشمالية، تسعى واشنطن إلى تفكيك برنامجها النووي والصاروخي، بسلاح العقوبات دائماً وبالتهديد العسكري بين الحين والآخر. وهو ما تتصدى له بيونغ يانغ، معتمدة استراتيجية التطوير الدائم لقدراتها، إذ تعتقد أن قوتها العسكرية وحدها القادرة على منع الاعتداء عليها وصد محاولات اضعافها.

ومنذ مطلع العام الجاري، حث كيم جونغ أون على تسريع وتيرة التطوير العسكري لتصبح كوريا الشمالية قوة عظمى لديها أسلحة نووية، وقادرة على مواجهة التحديات.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عمل خلال ولايته الأولى على فرملة اندفاعة البرنامج النووي تجميده من خلال فتح قنوات اتصال سياسية مباشرة مع الزعيم الكوري الشمالي واللقاء به، قبل أن تفشل في تحقيق أهدافها، وتعيد بيونغ يانغ تطوير عجلتها النووي ووضع خط أحمر أمام أي محاولات لتعطيلها. وفي هذا السياق، أعلنت بعثة كوريا الشمالية لدى الأمم المتحدة، أن الوضع النووي للجمهورية أمر لا رجعة فيه، وأن الدعوات لنزع سلاحها النووي تعتبر من مخلفات الماضي. ونقلت وكالة الأنباء المركزية لكوريا الشمالية عن البعثة قولها: “إن مكانة جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية كدولة ذات سلاح نووي والتي جرى تثبيتها في القانون الأعلى والأساسي للدولة، أصبحت أمراً لا رجعة فيه”. ووصفت البعثة الدعوات الأمريكية لنزع السلاح النووي الكوري الشمالي بأنها “عمل استفزازي وتدخل في الشؤون الداخلية للدولة”. وشددت بيونغ يانغ على أن “امتلاك السلاح النووي خيار لا بد منه لحماية البلاد من التهديدات النووية الأمريكية”.

خاتمة

يتسارع مسار التعاون الثلاثي الصيني الروسي الكوري الشمالي وصولاً إلى التحالف، الذي بات ضرورياً أكثر من أي وقت مضى بفعل استراتيجية العداء الأمريكية، وفي ضوء ما بلغته القدرات العسكرية لكوريا الشمالية من تطور، فإنها تعزز مكانتها وحضورها في إطار هذا التحالف وعلى الساحة الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *