تمتمات الرفات
بقلم غسان عبد الله
أُخاطِبُ ذا الزمانَ الهاطلَ في مسامَّاتِ أرواحنا قروحاً..
ها نرى ومضةً تغسلُ الرُّوحَ بالروحِ..
لا نرى سوى صرخةِ العمر المدفونِ بعيونِ الأرضِ تُعِيدُ صياغةَ النشيد؟؟
أو دمعةٍ، لونُها في عيونِ المحبينَ يشيعون الجدَثَ يمسي الأرجوانَ الفريدْ…
أو صبوةٍ يمسي سحرُها صهيلَ البراكين،
هلاّ نرى صحوةً.. أو نرى قَدَراً يُشْعِلُ الموتَ في ملكوتِ المراسيمِ
في بيدِ تلك الخرائطِ.. يهوي..
ويشرخُ تلك الوجوهَ التي لفظتْها العصورُ الوسيطةُ
جسماً.. وذاكرةً.. واحتقاراً على شرفةِ المشرقِ العربيِّ..
وفي غفلةِ الأرضِ والأهلِ والعمرِ،
وفي لحظةِ الانسحاب صوبَ الظلِّ بعيداً عن الشمسِ
نادى المنادي: جلبناكَ حتى نكرّسَ فيكَ الزمانَ العتيقَ
فكن أنتَ سلطانَ هذي البقاعِ.. وأنتَ.. وأنتَ..
فمنْ تركوكَ نهبَ الذكرياتِ لم يصرخوا لتُستعادَ إلى أرضك..
كانوا الدُمى ترتدي معطفَ الناطقين وحسبُ وكانوا الأداةْ..
أيها الحشدُ على حوافِّ الانتظارِ المَهيبْ
أيّ همسٍ خفيضٍ يطوف على بهجةِ الناسِ.. يزرعُ فيها طيوفَ الأماني
وأيُّ اشتهاءٍ يقولُ بأني أشاهدُ الشطآنَ تجرِّد غربتَها عند رأسِ الناقورة..
وأني أُشاهدُ تبغَ الجنوبِ يمدُّ اشتياقَ الزارعين
يحضنُ قامةَ قانا على أرضِ الطفوف..
نادى المنادي.. جئتنا الآنَ كما كنت عظيماً..
فاستقمْ أيها المتدثّرُ بالنار سعياً إلى المجدِ..
كلُّ الحناجرِ موسومةٌ بالدعاء..
وكلُّ الصدورِ تهيئ أضلاعَها سلّماً وطريقاً لعبوركَ أرض الوطن..
فقمْ أيها المتدثّرُ وأصعَدْ إلى شاهقِ الكبرياءِ..
وأمسكْ رقابَ الأعادي.. وصلّ لرّبِكَ وانحرْ..
هكذا تنشرُ الأرضُ وجدانَها في الخلايا
وتعزُف عند ابتداءِ القرابين ألحانَها..
ودماءُ الألوفِ من الشهداءِ توحّدُ عنوانَها..
هكذا تستوي سدرةُ المنتهى بين عينيكَ آيةَ عشقٍ
وتسألُ: أيُّ المسافات تحملُ أركانَها…!!؟
فاستقمْ.. وابدأِ الآن سَيْركَ نحو المضاربِ
إن الصحارى مهيّأةٌ لاحتمالات يومٍ جديدٍ، وإن الضلالاتِ في ظِلّها تتعثرْ..
تشرين ابتدأ حاراً بالهجيرِ..
ولم تعد عادياتُ الزمانِ على أفراحنا كلَّ حرٍّ تُغيرْ..
تشرينُ يبرودُ هذا العصرِ يندى بالفرح الآتي على نعشِ الشهيد..
ثمَّ…. دمعةٌ.. دمعتانْ.. دورةٌ لصدى الوقتِ أو دورتانْ..
بعدها.. ربما جدولُ الحلمِ يجري بطيئاً..
فهذي طيورٌ من الخوفِ تمضي وتنأى.. ثم لا تعودُ أبداً
لنْ نرى سَعَفَ النخلِ تشطرُ أوتارُها عادياتِ الردى..
فالردى تحت أهدابِها يتكسَّرْ،
لن تعودَ رمالُ المدائنِ إلى ذلِّها والشرايينُ صوبَ يأسها..
لا… ولن نرى شهوةَ الوهمِ المغطى بالسِّلْم المدمى بالقرارات الجائرةْ
في طَفْرَةٍ هي أدنى إلى الموتِ من حاجبِ العينِ للعينِ..
تفتحُ للذارياتِ صروحَ المكانْ..
وتعمّقُ وشمَ المراراتِ في عالمِ التاجِ والصولجانْ..
وتقدّمُ ثوبَ زفافِ العواصمِ كي ترتديه نعالُ الغزاةْ..
وتخلّي بطونَ المحيطاتِ متخومةً والطغاةْ..
يرتعُ التبرُ فيها وتبقى قلوبُ الحفاةِ قمراً مطفأً فوق صمتِ الجهاتْ..
دمعةٌ.. دمعتانْ.. دورةٌ لصدى الوقتِ أو دورتانْ..
بعدها.. ربما جدولُ الحلمِ يجري بطيئاً..
وأنا عائدٌ إلى ثرى البلادِ أرقُبُ فجراً يبزُغُ من حُلُمٍ غنيناهُ طويلاً..
وعشناهُ أرقاً في تمتماتِ الرفات.
