إقليميات

الإمَارات وحَرب السُودان.. بَينَ مَشارِيع الهَيمنةِ والمُخَطط الصُهيوني الإقليمي

بقلم زينب عدنان زراقط

أولاً: من تحالفات “أبو ظبي” إلى خدمة الاستراتيجية الإسرائيلية

إن هذا التواطؤ لا يمكن فهمه بمعزل عن سجل الإمارات الإقليمي، ولا سيما تورطها في حرب “السودان”، حيث دعمت وسلّحت ميليشيات قوات الدعم السريع بقيادة “محمد حمدان دقلو” المعروف بـ “حميدتي”، مساهمةً بذلك في تفكيك الدولة السودانية وإشعال الصراع الأهلي. وهكذا، تتضح ملامح استراتيجية إماراتية متكاملة تعمل على استغلال الأزمات الإقليمية وتوظيفها لاستكمال المشروع الصهيوني في المنطقة، من خلال تمكين إسرائيل، وتقويض الدول العربية، وترسيخ نفوذ أبو ظبي عبر النزاعات بالوكالة. ومن هنا يبرز السؤال الجوهري: ما هي أطماع وتفاصيل تورط الإمارات في حرب السودان وتمويل وتسليح قوات الدعم السريع، وكيف يرتبط ذلك بالمشروع الصهيوني الإقليمي؟

ثانياً: “حميدتي” كأداة استراتيجية في المشروع الإماراتي – الإسرائيلي

تحتَ صَمت حُكومي ودعم خارجي مباشر، تحولت “السودان” في السنوات الأخيرة إلى ساحة حرب مدمّرة قادها “حميدتي”، الذي انتقل من تاجر “إبل” إلى قائد ميليشيا مسلحة ذات نفوذ سياسي واقتصادي واسع. فقد أصبح اللاعب الأساسي في النزاع الذي هز مؤسسات الدولة السودانية وأشعل الصراعات القبلية والمدنية. هذا الصعود لم يكن وليد الصدفة، بل جاء مدعوماً بخطط وتمويل إماراتي مكثف جعل من “حميدتي” أداة لإعادة رسم المشهد السياسي السوداني بما يخدم مصالح خارجية، ويحوّل الحرب إلى امتداد لمشاريع إقليمية أكبر تُعزّز النفوذ الإماراتي – الإسرائيلي في المنطقة.

يحتل حميدتي موقعاً استراتيجياً يجمع بين السلطة الرسمية والنفوذ العسكري المستقل؛ فهو قائد قوات الدعم السريع التي تأسست كذراع شبه مستقلة لجهاز الأمن والمخابرات في عهد “البشير”، ثم دمجت جزئياً ضمن الجيش دون أن تفقد استقلاليتها. كما شغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي بعد الإطاحة بالبشير، ما منحه موقعاً رسمياً داخل الحكومة الانتقالية، مع احتفاظه بسيطرته على موارد اقتصادية استراتيجية مثل الذهب. هذا المزيج بين القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية جعله حلقة وصل حيوية مع القوى الإقليمية، وخصوصاً الإمارات، التي استغلت نفوذه لتطبيق استراتيجياتها في السودان ودعم المشاريع الإقليمية المتقاطعة مع مصالح إسرائيل.

لقد حوّلت أبو ظبي “حميدتي” إلى أداة تنفيذية لمشروعها الإقليمي، بفضل استقلاليته العسكرية وسيطرته على الموارد، ما مكّنه من التحرك بحرية لتطبيق الاستراتيجيات الإماراتية، بما في ذلك إشعال الصراعات الداخلية، وتأمين النفوذ على مفاصل الدولة السودانية. ومن ثمّ، لم يعد “حميدتي” مجرد قائد ميليشيا، بل أصبح جزءاً من شبكة نفوذ إماراتية – إسرائيلية تسعى لتحويل السودان إلى ساحة اختبار لسياسات الهيمنة الإقليمية وتوسيع دائرة النفوذ في الشرق الأفريقي والبحر الأحمر.

ثالثاً: أبعاد الدّعم الإماراتي لقوات الدَعم السريع

أدّى التحالف بين حميدتي والإمارات إلى تحويل السودان إلى ساحة صراع يخدم مصالح خارجية أكثر من مصالح الدولة نفسها. فقد وفّرت أبو ظبي الدعم المالي والعسكري لقوات الدعم السريع، ما مكّنها من تعزيز نفوذها الميداني والسيطرة على مناطق التعدين والموارد الحيوية مثل الذهب والنفط والصمغ العربي، إضافة إلى السعي للهيمنة على موانئ البحر الأحمر. ولم يقتصر الدعم على التسليح، بل شمل أيضاً التدريب والتوجيه السياسي والإعلامي، ما جعل قوات الدعم السريع أداة جاهزة لتنفيذ أجندات إماراتية – إسرائيلية ترمي إلى إشعال الصراعات الداخلية، وإضعاف الدولة المركزية، وخلق حالة فوضى تخدم استراتيجيات الهيمنة الإقليمية. وهكذا، لم تعُد الحرب في السودان مجرد نزاع داخلي، بل غدت جزءاً من مشروع إقليمي أوسع يهدف إلى تحويل الدول العربية إلى مسرح للتدخلات الأجنبية على حساب سيادتها واستقرارها.

رابعاً: جرائم الحرب والدعم اللوجستي الخارجي

تشهد الحرب في السودان تصعيداً دموياً خطيراً، حيث ارتكبت ميليشيا الدعم السريع مجازر مروّعة في مدينة الفاشر ضد المدنيين العزّل، شملت القتل الجماعي، وحرق الأحياء، وتصفية المرضى داخل المستشفيات، والنهب والاغتصاب والتهجير القسري، متجاوزين حقد وإجرام اليهود الصهاينة أنفسهم!. لقد وصفت منظمات محلية ودولية هذه الجرائم بأنها تطهير عرقي ممنهج يهدف إلى تغيير ديموغرافية الإقليم. وأدّت هذه الفظائع إلى تفجّر الغضب الشعبي في مختلف الولايات السودانية وإعلان التعبئة العامة لمواجهة الميليشيا. في المقابل، وجّه ناشطون ومحللون أصابع الاتهام إلى الإمارات بدعمها الواسع لـ “الدعم السريع” سياسياً وإعلامياً ولوجستياً، معتبرين أنّها تتحمّل مسؤولية مباشرة عن استمرار الحرب وتغذية الانقسامات. كما اتُّهمت أبو ظبي، إلى جانب واشنطن وتل أبيب، بالتغطية على جرائم الميليشيا في المحافل الدولية في ظلّ تواطؤ عالمي صامت لم يتجاوز بيانات الإدانة الشكلية.

خامساً: خطوط الإمداد السّرية والدعم العسكري المتطور

تشير التقارير إلى أن الإمارات تُغذّي حرب السودان عبر شبكة معقدة من الإمدادات العسكرية تنطلق من مدينة “بوصاصو” في ولاية بونتلاند الصومالية. فطائرات الشحن الإماراتية من طراز “76IL-” تهبط بانتظام في المطار محمّلةً بمعدات عسكرية غير معلنة تُنقل لاحقاً إلى قوات الدعم السريع عبر دول الجوار. كما تمرّ عبر ميناء بوصاصو حاويات موسومة بـ “مواد خطرة” تُفرّغ بسرية وتُنقل مباشرة إلى الطائرات دون تسجيل رسمي لوجهتها أو محتواها. وتشير المعلومات إلى أن الإمارات تستعين بمرتزقة كولومبيين ينطلقون من معسكر خاص قرب المطار للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع، فيما يُستخدم الموقع كنقطة عبور لعلاج المصابين في السودان. هذا النشاط، الذي يجري ضمن شبكة قواعد إماراتية تمتد على طول البحر الأحمر وخليج عدن، يعكس سعي أبو ظبي إلى توسيع نفوذها الجيوسياسي وتأمين مصالحها الاقتصادية، خصوصاً في تجارة الذهب السوداني، ولو على حساب استمرار المأساة الإنسانية.

سادساً: التكنولوجيا العسكرية وتحول مسار الحرب

شَهدت معركة الفاشر تحولاً حاسماً في مسار الحرب السودانية، كاشفةً عن حجم التورط الخارجي في النزاع، ولا سيما الدور الإماراتي في تزويد ميليشيا الدعم السريع بالأسلحة المتطورة والطائرات المسيّرة. فمنذ أغسطس/آب 2024 استخدمت الميليشيا مسيرات صينية الصنع تلقتها عبر قنوات تمويل وتسليح إماراتية، مما مكّنها من تحقيق تفوق ميداني بعد فشل متكرر في السيطرة على المدينة. وقد غيّر هذا الدّعم النّوعي ميزان القوى، إذ مكّن “الدعم السريع” من تنفيذ هجمات دقيقة ومدمرة على القوافل والمواقع العسكرية والمدنية، وأسفر عن مقتل المئات وتشريد الآلاف. وتؤكد تقارير ميدانية أن هذه المسيرات كانت تُدار من خارج السودان، وأن الدعم اللوجستي والاستخباراتي الإماراتي شكّل العمود الفقري للهجوم على الفاشر. وبذلك، تحوّلت المدينة إلى ساحة تجريب لحرب تكنولوجية تُدار عن بُعد، في مؤشر على انتقال الصراع السوداني إلى مرحلة جديدة تُحسم فيها المعارك بالذكاء الصناعي وسلاح المسيرات.

سابعاً: المسؤوليات الدولية وتواطؤ الغرب

تكشف الوثائق التي اطّلع عليها مجلس الأمن الدولي عن أدلة جديدة على تورط الإمارات في تسليح قوات الدعم السريع عبر معدات عسكرية بريطانية الصُنع عُثر عليها في ساحات القتال. وتضمنت هذه المعدات أنظمة تصويب ومحركات مدرعات من إنتاج شركات بريطانية جرى تصديرها إلى الإمارات بموجب تراخيص رسمية على الرغم من التحذيرات من إمكانية تحويلها إلى أطراف منخرطة في النزاع السوداني. ويشير التقرير إلى أن لندن استمرت في منح تصاريح تصدير مماثلة حتى عام 2024، بعد تقديم الأمم المتحدة أدلة واضحة على استخدام هذه المعدات في الحرب، ما أثار تساؤلات حول المسؤولية القانونية والأخلاقية لبريطانيا في تغذية الصراع ومدى التزامها بقوانين تصدير الأسلحة الدولية.

خاتمة: الهيمنة عبر الفوضى وتقاطع المصالح الإسرائيلية–الخليجية

في الخُلاصةِ، تُمثّل استراتيجية أبو ظبي في السودان جزءاً من مشروع إقليمي أوسع يهدف إلى إضعاف الدول العربية وتمهيد الطريق أمام إسرائيل في مواجهة أي حركات قومية أو ثورية تهدد النفوذ الإسرائيلي – الخليجي. ومن خلال إشعال الصراع وتمكين ميليشيات مثل قوات الدعم السريع، تخلق الإمارات ما يمكن وصفه بـ “ساحة مسرحية” تستفيد منها إسرائيل لتوسيع نفوذها الجيوسياسي. إن هذه السياسة تعكس امتداداً مباشراً للاستراتيجية الصهيونية القائمة على الهيمنة عبر الفوضى والتقسيم، حيث تتحول الدول العربية إلى ساحات صراع بالوكالة تخدم مصالح القوى الخارجية على حساب سيادتها واستقرارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *