غضب يمني من مجلس الأمن.. شرعنة لعسكرة البحر الأحمر
بقلم نوال النونو
عبرت حكومة التغيير والبناء بصنعاء عن استنكارها لقرار مجلس الأمن الدولي (2801) الذي صدر الجمعة الماضية وقضى بتمديد نظام العقوبات على “أنصار الله”، إضافة إلى استمرار مهمة فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات لمدة عام إضافي.
واعتبر القائم بأعمال وزير الخارجية في الحكومة عبد الواحد أبو رأس أن القرار يشرعن لعسكرة البحر الأحمر ويهدد الملاحة فيه، مؤكداً أنه يعكس الأجندة الأمريكية، وتحالف العدوان على اليمن بقيادة السعودية، مشيراً إلى أن القرار الذي تقدمت به بريطانيا حاملة القلم اليمني في مجلس الأمن يستخدم كذريعة للإضرار بمصالح اليمن، واصفاً تقرير لجنة الخبراء بالمغالطات والوقائع غير الصحيحة، معلناً عدم التعاطي أو الاعتراف باللجنة وتقاريرها.
وتبنى مجلس الأمن نص القرار بغالبية 13 صوتاً، مع امتناع روسيا والصين عن التصويت، وهو يجدّد لمدة عام، حتى 14 نوفمبر 2026 م، العقوبات (تجميد الأصول وحظر السفر) والتي تستهدف حالياً نحو عشرة أفراد، معظمهم مسؤولون في حركة أنصار الله.
ويؤكد المسؤولون اليمنيون أن القرار يشرعن للولايات المتحدة الأمريكية وتحالف العدوان على اليمن تشديد الحصار على اليمن، تحت مبرر الحظر على الأسلحة، وهذا الحصار إذا تم فسيكون وبالاً على المواطنين في اليمن، الذين يعانون من وضع اقتصادي متردي، نتيجة العدوان والحصار المفروض عليهم منذ عام 2015م، ومع الشرعنة الأممية للحصار، ستزداد معاناة اليمنيين.
وفي السياق حذّر مجلس النواب اليمني من تداعيات الاستمرار فيما وصفها بالممارسات غير العادلة، فيما وصف عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد الفرح القرار بأنه سقوط أخلاقي لمجلس الأمن الذي يواصل تقديم أسوأ نموذج لازدواجية المعايير، بعد أن أمضى سنوات وهو يغض الطرف عن جرائم الإبادة في غزة، بل ويساند العدو حتى يرتوي تعطّشه للدم، ويغطي الحصار والعدوان على اليمن من دون موقف أخلاقي أو قانوني”.
ورأى الفرح، أيضاً أن “ما يفعله الغرب اليوم وأمريكا، من دعم مفتوح للعدو الإسرائيلي بالسلاح والمال، وحماية الجرائم سياسياً، يكشف أن العقوبات التي يسعى لفرضها على اليمن ليست إلا أداة لخدمة الأهداف الصهيونية، ومعاقبة الشعب اليمني على صموده واستقلال قراره ووقوفه مع غزة”.
وجاء قرار تجديد العقوبات على اليمن داخل مجلس الأمن في لحظة مفصلية، وبعد عمليات نوعية للقوات المسلحة اليمنية ضد ملاحة العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر، خلال معركة “طوفان الأقصى”، ما يعني أن القرار يخدم في الدرجة الأولى الكيان الصهيوني، كما أن القرار يجهض أي محاولات للسلام في اليمن، والتي تنادي بها صنعاء منذ وقت طويل.
تعميق الحصار على اليمن
ويقدم السفير في وزارة الخارجية اليمنية عبد الله علي صبري قراءة مقلقة عن القرار، مؤكداً أنه يساعد على المزيد من عسكرة البحر الأحمر، وأنه يفاقم معاناة الملايين من اليمنيين، مشيراً إلى أن روسيا والصين تراعيان مصالحهما مع السعودية والإمارات، وهذه المواقف هي وراء الموقف المتراخي لدى البلدين.
من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني أنس القاضي أن بريطانيا سعت من خلال القرار إلى إدخال تفويض دولي صريح يمكّن الدول الأعضاء، منفردين أو ضمن تحالفات بحرية، من تنفيذ عمليات تفتيش بحري في المياه اليمنية وأعالي البحار وصولاً إلى الخليج العربي، وهو ما كان سيجعل البحر الأحمر ومضيق باب المندب في حكم المناطق الخاضعة لرقابة دولية موسّعة خارج إطار آلية التفتيش الأممية (UNVIM) في جيبوتي ما يجعل وصول أي سفينة إلى اليمن رهن بمشيئة التحالف البحري الغربي، والذي سيكون بيده القدرة على فرض الحصار وتأخير وصول السلع لتفجير المجتمع اليمني من الداخل للضغط على السُلطة الوطنية في صنعاء.
وواجهت المسودة البريطانية – الأمريكية انقساماً حاداً وغير مسبوق داخل مجلس الأمن، وبينما ساندت فرنسا المسودة واعتبرتها غير طموحة بما يكفي، لعب الموقف الروسي – الصيني دور “حجر العثرة” الأكبر.
واعتبرت موسكو وبكين المسودة “غير متوازنة ومسيسة” وتمثل محاولة غربية لفرض وصاية بحرية دولية، وتتعارض مع مبادئ القانون الدولي، خصوصاً اتفاقية البحار، كما حذّرت الصين من أن منح تفويض بحري دولي يفتح الباب لتدخلات عسكرية تحت غطاء قانوني مضلل.
تحركات بريطانية مريبة
لكن وعلى الرغم من الامتناع الروسي والصيني عن التصويت للقرار، إلا أن اليمنيين توقعوا منهما استخدام حق النقض [الفيتو]، معتبرين أن الصين، يعبر معظم تجارة بضائعها عبر البحر الأحمر، وهي قلقة من الهيمنة الغربية على الممرات البحرية، لكنها لا ترغب في صدام مباشر مع واشنطن ولندن، ما يجعل اعتراضها محدود التأثير، في حين أن روسيا، وعلى الرغم من انتقادها لاستخدام العقوبات كأداة سياسية، فإن موقفها ظل في إطار المناورة الدبلوماسية، لا في مستوى الدفاع الحقيقي عن سيادة اليمن.
وبعيداً عن التحركات الدبلوماسية في مجلس الأمن، تمضي بريطانيا في تحرك أخطر على الأرض، فخلال الأيام الماضية زار وفد دبلوماسي رفيع المستوى مدينة عدن الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإماراتي السعودي، مركزاً على دعم قوات خفر السواحل التابعة للحكومة اليمنية الموالية للسعودية.
وقادت بريطانيا عدواناً على اليمن بالاشتراك مع الولايات المتحدة الأمريكية إبان عهد الرئيس بايدن في 2023م، في محاولة لرفع الحصار المفروض على ميناء [أم الرشراش] في جنوبي فلسطين المحتلة، غير أن الحملة باءت بالفشل، وتعرضت العديد من السفن البريطانية للغرق، نتيجة العمليات اليمنية المباركة.
وخلال الأشهر الماضية، نشطت بريطانيا في دعم حكومة الخونة، وقد تعهدت خلال مؤتمر ما يسمى “بالأمن البحري اليمني” الذي انعقد بالسعودية في سبتمبر الماضي بدفع 4 ملايين دولار لدعم هذه القوات [خفر السواحل] التابعة للمرتزقة، وخلال هذه الزيارة أعلنت السفيرة البريطانية عبدة شريف عن تقديم (149) مليون جنيه إسترليني.
ويُظهر هذا الدعم والتحرك البريطاني مدى تماهي حكومة المرتزقة مع العدو الإسرائيلي في عسكرة البحر الأحمر، تحت مبررات واهية، ومنها تأمين الملاحة الدولية مع أن القوات المسلحة اليمنية والحكومة في صنعاء تؤكد مراراً وتكراراً أن الملاحة في البحر الأحمر لا خطر عليها، وأن الاستهداف يقتصر على الملاحة الصهيونية، بسبب العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة.
ويضع الحراك البريطاني المتصاعد في عدن علامات استفهام حول طبيعة الدور الذي تسعى لندن من خلاله في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد سلسلة الانتكاسات العسكرية التي مُنيت بها واشنطن ولندن وكيان العدو الإسرائيلي في مواجهة القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر خلال العامين الماضيين.
