عبرة الكلمات 521
بقلم غسان عبد الله
جواد
تُصرُّ على أن تكونَ “بطلاً”.. وتُكرِّرُ: “لكلِّ جوادٍ عثرة”.. ناسياً أو متناسياً أنكَ لستَ جواداً!!.. يقتادُكَ التعبُ إلى مجاهلِ اليأسِ.. وتتذوقُ عصفَ الجحيمِ.. وخسفَ الجنونْ.. ولا تدري أين غداً ستكونْ.. كغصنٍ تدلى من شجرةٍ ميتةٍ.. أو بالخريفِ أشبه ما تكونْ.. ليالٍ تشهقُ بسوادٍ دقيقٍ ذكيٍّ.. يصطادُ كلَّ أشيائِكَ الجميلةِ.. ليُذيبها في محلولِ السكونْ.
هموم
آهٍ منها هذي الهمومْ.. آهٍ من أهاتكَ والهمومْ.. تَقْذِفُ بكَ بَعدَ سنين وتعلنُ: “غيرُ صالحٍ للحياة “.. وتدومْ.. يحوطكَ السوادُ.. لتعرفَ بعدِ فواتِ الهطولِ.. أنكَ حين تقعُ سوف لن تقومْ.. أنَّ الحياةَ.. كائنٌ حيٌّ.. يقتاتُ الموتَ ويفرِزُ الأطيافَ.. أفعى بكلِّ مفترقٍ من اليأسِ.. تبثُّ السمومْ.
الركضُ تحت المطر
الركضُ بمعنى أدق.. كان لعبتي المفضلةَ.. يومها لم نكن نُدْرِكُ ـ أخوتي وأنا ـ أنه سيظهرُ أنواعٌ وضروبٌ للركضِ ما أنْزَلَ الرحمنُ بها من سلطان.. كلُّ ذلكَ لا يهمُّ المهمُّ أن نركضَ.. بضعَ دوراتٍ في الركنِ الشماليِّ للصدرِ.. عند صمام النبضِ تماماً.. ستكفلُ لكَ نشوةً محببةً تَسكُنُكَ وتسلِبُ روحَكَ إلى الأبد.. أن تدورَ.. وتدورَ.. لترتَشِفَ رحيقَ المطر.. كان المطرُ وحدَهُ يكفي.. مطرٌ.. مطرٌ.. مطرْ.. قبل أن نَسمَعَ “أنشودةَ المطر”.. أن تدورَ.. وتدورَ.. لتداعِبَ بقدميكَ العاريتينِ.. التراب.. أن تعبُّ رائحةَ الطين التي تعبقُ الأجواء.. أن تدور.. وتدورَ.. رغمَ نوباتِ السعالِ التي تعرفُ مسبقاً أنها ستمتَصُكَّ.. و.. رغم العقاب الذي ينتظركْ.. مطرٌ.. مطرٌ مطرْ.. مفرداتٌ على خدِّ الأرضِ تعطي لروحِكَ جمال الصورْ.
ظلامُ السنين
كانَ حظُّنا سيئاً.. لقد كبُرْنا جميعاً.. ومرَّت السنونُ كأيامْ.. تكبُرُ ويضجُّ الشبابُ في ثيابكَ.. تمرُّ هذه الأيامُ.. وأنتَ تمضغُ أحلامَكَ.. ثم تنامْ.. وتركلُ سَنواتِكَ المقرَّرةَ.. إلى ذاكَ الشيءِ الجميلِ الملونِ.. إلى ما نسميهِ عبثاً بحرَ أوهامْ.. ذلكَ الشيءُ المقدود في ذاكرتنا.. نسميه عجزاً حلماً.. حين نعجزُ – عادةً – نلجأ إلى الأحلامْ.. يا إلهي.. “الذاكرةُ ليست على ما يرام”!!.. وتخبطُ بكفك على جبهتكَ…آه تذكرتُ.. إنه “المستقبل”.. تسيرُ.. تستطعِمُ الغبارَ.. وتشربُ السراب.. وكأنَّ النهارَ لم يورِقْ.. وكأنَّ الليلَ لم يثملْ.. وتفّكر.. هكذا.. أقفرتِ الأيامُ المضيئةُ.. أهكذا يكونُ مسكُ الختامْ.. وانسابَ تيارُ السوادِ ليمزِّقَ أخرَ لمحةٍ للطهرِ في وجهِكَ.. وتظلًّ هذه السككُ تقذف بكَ من قفارٍ إلى فقارْ.. تمدُّ يدك.. لتمسكَ تلكَ السنينَ فتعودُ مملوءةً بالظلام.
