بوتين في الهند.. تطوير العلاقات الاقتصادية والدفاعية
بقلم ابتسام الشامي
خطفت زيارة الرئيس الروسي إلى الهند أضواء الحدث الدولي، فهي إذ تأتي في توقيت حساس بالنسبة لمصير الحرب في أوكرانيا، فإن أهميتها تكمن في الهدف المعلن وهو تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين لاسيما الاقتصادية والأمنية.
العلاقات الوثيقة بين البلدين
في زيارة هي الأولى له منذ بدء الحرب في أوكرانيا، حل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضيفاً على الهند، ملبياً دعوة رئيس وزرائها ناريندرا مودي لحضور القمة الهندية الروسية السنوية الـ 23، بمناسبة مرور 25 عاماً على شراكتهما الإستراتيجية. على أن السنوات الماضية من عمر الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، تبدو مع تسارع التحولات الدولية لاسيما الهجمة التجارية الأمريكية التي طالت حلفاء أمريكا وأعداءها على حد سواء، بحاجة إلى مزيد من التطوير والتوثيق. وبلحاظ تلك التحولات وما تفرضه من تموضوعات على مستوى العلاقات الدولية، تكتسب زيارة بوتين إلى أكبر مشتر لنفط بلاده أهمية استثنائية. وإلى جدول أعمالها الحافل بالتوقيع على مذكرات تفاهم واتفاقيات تعاون في مجالات مختلفة، تأخذ التطورات الإستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادي حصة مهمة من البحث، وهي تطورات من شأنها أن تنعكس على مسار التعاون بين البلدين بما في ذلك الاقتصادي منه والدفاعي، مضافاً إلى ذلك، تأثير العقوبات الأمريكية على شركات النفط الروسية في مبيعات الطاقة الروسية للهند.
أهمية الزيارة التي تأتي بعد نحو شهر ونصف من تشديد الولايات المتحدة الأمريكية عقوباتها على شركات النفط الروسية، عكسها الرئيس بوتين في حوار مع قناة “إنديا توداي”، مشيراً إلى وجود “خطة كاملة للتعاون تغطي أهم المجالات مثل التكنولوجيا المتقدمة واستكشاف الفضاء والطاقة النووية”. من دون أن ينكر تأثير العقوبات الغربية في التعاون الروسي الهندي لاسيما في إجراء المدفوعات بين البلدين. وإذ أقر بوتين بوجود صعوبات على هذا الصعيد إلا أنه أكد وجود حلول أيضاً”، مضيفاً: “يمكننا الانتقال إلى نظم المعلومات المالية الإلكترونية التابعة للمصرف المركزي الروسي والزملاء الهنود”.
وينطوي حديث الرئيس الروسي عن فرص تذليل العقبات، رسالة إلى البلد المضيف بعد تراجع مشترياته من النفط الروسي، وهو ما أكده المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف للصحافيين عشية الزيارة، مشيراً إلى أن انخفاض واردات الهند من النفط الروسي قد يستمر “فترة وجيزة” فحسب، إذ تخطط موسكو لزيادة الإمدادات إلى نيودلهي. وإذ ذكر أن روسيا لا تزال مورداً مهما للطاقة بالنسبة للهند، أكد على ضرورة وضع آليات تجارية محصنة ضد تدخلات دول ثالثة، وأضاف أن روسيا لديها خبرة في ممارسة التجارة في ظل العقوبات.
وتأتي تصريحات المسؤول الروسي تعليقاً على توقف شركات تكرير هندية، مثل مصفاة مانجالور للبتروكيماويات المحدودة وشركة هندوستان بتروليوم كورب وشركة إتش. بي. سي. إل – ميتال إنرجي المحدودة، عن شراء النفط الروسي. علماً أن شركة النفط الهندية التي تديرها الدولة قدمت طلبات لشراء النفط الروسي من كيانات غير خاضعة للعقوبات، في حين أن شركة بهارات بتروليوم كورب في مرحلة متقدمة من المفاوضات بشأن واردات النفط الروسي.
التعاون الدفاعي
والى إعادة تزخيم بيع النفط، وتذليل العقبات أمامه، يتصدر البعد الأمني من حيث الأهمية زيارة الرئيس الروسي إلى الهند. وفي مؤشر يعكس هذه الأهمية، أكد وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ خلال لقائه نظيره الروسي أندريه بيلاوسوف أن الزيارة من شأنها تعزيز الشراكة الروسية الهندية. وخلال اجتماع اللجنة الحكومية الدولية الثنائية للتعاون العسكري والعسكري الفني، أعرب سينغ للشركاء الروس عن الشكر لزيارتهم الهند، “لمناقشة وتطوير التعاون الثنائي في مجال الدفاع”. وقال “روسيا هي شريك هندي مختبر بالزمن، ومتميز بشكل خاص واستراتيجي، وقد توسع تعاوننا الثنائي في مجال الدفاع بشكل كبير منذ توقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية الهندية الروسية في عام 2000. من المطمئن أنه على الرغم من عدم اليقين الجيوسياسي، فإن تعاوننا الهندي الروسي في مجال الدفاع يتطور بوتيرة صحية، كما أن التبادلات الموجهة نحو النتائج بين أفراد القوات المسلحة والخبراء في جيشينا تحافظ على زخم شراكتنا الدفاعية”.
وفي سياق متصل توقفت صحيفة “إنديا توداي” الهندية عند الزيارة التي يصطحب فيها بوتين وفدا روسيا رفيع المستوى يضم وزراء الدفاع والمالية والزراعة والتنمية الاقتصادية والصحة والداخلية والنقل. مشيرة إلى أن التعاون الدفاعي بين البلدين، بما في ذلك تكنولوجيا الطائرات المقاتلة، والتعاون في مجال الطاقة النووية، يحتل مكانة مهمة على جدول أعمال الزيارة، مرجحة أن “تركز مناقشات الدفاع على مشاريع الطائرات الأسرع من الصوت، كذلك الصواريخ بعيدة المدى، ووحدات “إس -400” الإضافية. وأوضحت أن قمة بوتين ومودي ستستعرض التقدم المحرز في مجالات الأمن والتكنولوجيا والنقل والتعليم والتعاون الثقافي. أما في ما يخص المحادثات الاقتصادية، فمن المقرر أن تتناول اختلال التوازن التجاري، وترسم خريطة طريق للتعاون الثنائي حتى عام 2030، ورجحت توقيع نيودلهي وموسكو اتفاقيات تشمل التجارة والصحة والزراعة والإعلام والتبادل الثقافي.
خاتمة
في توقيتها السياسي وكذلك في مضمونها، تكتسب زيارة الرئيس الروسي إلى الهند أهمية خاصة. وإذا كانت العقوبات الأمريكية الجديدة على شركات النفط الروسية قد أثرت في التبادلات التجارية بين البلدين، فإن السؤال المطروح حول قدرة الزائر على إعادة تزخيمها وتذليل العقبات أمام تطويرها.
