دوليات

واشنطن تزكي توتر الكوريتين.. استعدادات متقابلة للحرب!

بقلم: ابتسام الشامي

افتتح العام الجديد بتصاعد التوتر بين الكوريتين، وسط تعبئة سياسية وعسكرية على ضفتي شبه الجزيرة المنقسمة بما ينذر بإمكانية انزلاق الوضع إلى خطر المواجهة العسكرية.

كوريا الشمالية تستعد للحرب

شهدت الأسابيع الأخيرة، تصاعداً ملحوظاً في حدة التوتر بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية، معيداً تسليط الضوء على نزاع خمد من دون أن تطفأ ناره، منذراً بقرب انفجاره مجدداً على وقع الصراعات الكبرى الجارية في العالم. فمع حلول العام الجديد، كان الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، يوجه قوات بلاده العسكرية بالاستعداد للحرب، وتسريع تطوير البرنامج النووي للبلاد، بما يمكنها من التعامل مع استفزازات كوريا الجنوبية، أو أي خطوات عدوانية قد تقدم عليها بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية. وفي خطاب نهاية العام، حرص أون على توضيح الأهداف الاستراتيجية المتوخاة من رفع مستوى الاستعداد العسكري، والمتمثلة بالوصول إلى قدرة “محو” الجارة الجنوبية وحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، في حال قررتا شن هجوم مسلح على بلاده. وبقدر ما ينطوي عليه هذا التوجيه من محاولات ردعية، إلا أنه يعكس في المقابل أن بيونغ يانغ، تتعامل بجدية مع احتمال تعرضها لهجوم عسكري. وفي هذا السياق كان لافتاً للانتباه البيان الصادر عن شقيقة الزعيم “كيم يو جونج”، الذي أكدت فيه أن “جيش الشعب الكوري فتح الزناد، وهو سيطلق على الفور وابلاً من النيران في حال حدوث أي استفزاز بسيط”. ويوم الخميس الماضي حذّرت السلطات الرسمية في كوريا الشمالية من أن “مخاطر وقوع اشتباكات مع الجارة الجنوبية، هي في أعلى مستوياتها هذا العام، وقد تنتهي بضربة نووية”.

واشنطن ترفع مستوى التوتر

التوترات في شبه الجزيرة الكورية كانت قد تصاعدت خلال الأسابيع الماضية على خلفية قيام كوريا الجنوبية بإجراء مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي أرسلت إليها الشهر الماضي، “الغواصة “ميزوري”، العاملة بالدفع النووي، قبل أن تشرك حاملة الطائرات “رونالد ريغان” وقاذفة استراتيجية من طراز “بي-52″ في مناورات عسكرية مع سيول وطوكيو”(1). الأمر الذي دفع بيونغ يانغ، إلى التلويح بإجراء تجربة على إطلاق الصاروخ البالستي العابر للقارات “هواسونغ-18″، وهو الصاروخ الأقوى في الترسانة الكورية الشمالية، ويعتقد بأنه قادر على بلوغ كل الأراضي الأمريكية.

وتأتي هذه التوترات المنذرة بإمكانية اندلاع الصراع العسكري مجدداً بين الكوريتين، بعدما زخمت الولايات المتحدة الأمريكية حضورها في منطقة المحطين الهندي والهادئ في إطار صراعها مع الصين، وكان البارز في هذا السياق إعلان رئيس كوريا الجنوبية يون سيوك – يول في حزيران الماضي، ترقية التحالف مع الولايات المتحدة إلى “تحالف قائم على القوة النووية”، وذلك بموجب اتفاق مع الرئيس الأمريكي جو بايدن “لتعزيز التزام واشنطن بالردع النووي”. تحالف سرعان ما انضمت إليه اليابان، وبعد شهرين من الإعلان عنه، جمع بايدن الرئيس الكوري الجنوبي، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، في قمة انتهت إلى اتفاق وصفته واشنطن بالتاريخي، حيث اتفقت الدول الثلاث على “تعزيز التعاون ضد تحديات إقليمية مشتركة، وإجراء تدريبات عسكرية منتظمة، وإنشاء خط ثلاثي ساخن للتعامل مع الأزمات، بما يكرس لعلاقات طويلة الأمد ويضمن الاستمرارية”. ولم تنس القمة التي انعقدت في الثامن عشر من آب في منتجع كامب دايفيد، توضيح أهداف التحالف الجديد، إذ صدر عنها بيان أدان “السلوك الخطير والعدواني للصين ومطالبها البحرية غير القانونية في بحر الصين الجنوبي”. وعلى مسافة يومين فقط من القمة، أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية مناورات عسكرية ضخمة مع كوريا الجنوبية، هدفت وفق “سيول” إلى “تحسين الاستجابة المشتركة لتهديدات كوريا الشمالية النووية والصاروخية المتطورة”. وقال جيش كوريا الجنوبية إن التدريبات ستجري هذا العام على “أكبر نطاق على الإطلاق”، إذ تمت تعبئة عشرات الآلاف من القوات من كلا الجانبين، وكذلك بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

توسع الحضور الأمريكي في هذه المنطقة الحساسة وحث كوريا الجنوبية وكذلك اليابان على مزيد من العسكرة، كان من نتائجه المباشرة إلى ارتفاع ملحوظ في عدد الخروقات لاتفاقية خفض التصعيد الموقعة بين الجارتين عام 2018، مصحوباً بتطوير كوريا الشمالية مستوى علاقاتها السياسية والعسكرية مع روسيا، والتي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية مبرراً لحضورها العسكري وزيادة مستوى دعمها لكوريا الجنوبية. وكان البيت الأبيض قد اتهم مطلع الشهر الجاري، كوريا الشمالية بتزويد روسيا مؤخراً بصواريخ بالستية وقاذفات أطلقت بعضها بالفعل على أوكرانيا. وعلى الرغم من أن اتهام واشنطن بيونغ يانغ بتزويد موسكو بأسلحة نوعية في إطار حربها في أوكرانيا ليس جديداً، إلا أنه استدعى الحذر في كوريا الشمالية، وتوجيهاً من زعيم البلاد بتعزيز إنتاج مختلف مركبات إطلاق الصواريخ التي وصفها بأنها مهمة ضرورية للتحضير “لمواجهة عسكرية” مع العدو، ونقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية عن كيم قوله خلال زيارة لمصنع وحدات النقل والنصب: “إن إنتاج مركبات مختلفة للأسلحة التكتيكية والإستراتيجية يعد مهمة أساسية في تعزيز قوة ردع الحرب النووية بالبلاد”.

خاتمة

على هذا القدر من التوتر تدخل شبه الجزيرة الكورية عامها الجديد، مناوشات حدودية وسقف عال من التهديدات، واستعدادات عملية للحرب القادمة، فهل تقع هذه الحرب؟ سؤال تبدو الإجابة عنه مفتوحة على كافة الاحتمالات في ظل التحولات التي يعيشها العالم في إطار مخاض ولادة النظام العالمي الجديد.