صدى التمتمات
بقلم غسان عبد الله
أُبحرُ في كلِّ المتاهات.. أعبرُ كلَّ هذي المسافاتِ.. لأرتدَّ إلى نبضي..
ونجيعٌ مخبوءٌ داخلَ صدري يموسقُ باحةَ عشقي..
فيا لعشقي.. يا لنبضي.. يا لصوتي..
أفرُدُ أشرعتي على المساء..
وأُبحرُ من جديدٍ صوب ما أشتاقُ من حنانْ..
وساعةَ انهمار الوجيب على القلبِ غيثاً من قطرات السماء..
أُفضي بوجهي إلى شرفةٍ من بكاء.. ولا ألوي إلا على جرحٍ يساورُني..
على حافةِ السكونِ..
وعند أطراف موجةٍ ترتطمُ بحافة زورقي كتبتُ أن الزمنَ فاتْ..
وكتبتُ أن المرثيَّاتِ صوتٌ يداخلُني.. يمضي بعمقي إلى برزخٍ من دعاء..
إنني أشتاق لنبضٍ يشتدُّ بقلبي الحالِمِ..
لكني.. وأنا أرتادُ وجيبَهُ تحت المطرِ الناعم..
تتجمَّعُ في روحي أفراحُ الناسِ.. مثل مشاتلَ تحنو على أريج..
وأعرفُ أنني أرحلُ مثلَ نورسٍ ضالٍ..
أعرفُ أنني أُبحرُ عن خلاني بزورقٍ دون ضجيج..
أنني أشتاقُ لوطنٍ يمتدُ من المحيط إلى الخليج..
على أشرعةِ الإبحارِ في المساءِ قرأتُ: أن العشاقَ يموتون بلا مرثياتٍ..
وأنَّ الخالدين يرتحلون دون ضجيجْ..
حين تعاهدنا بالضوءِ.. أنا.. والبسمة تلك المتلفعةِ بالأحزانْ..
عاهدْتُ دموعي أن أصنعَ بحراً حتى تنسابَ موجاً من أحداقِ الظُّلْمة..
بين مدائنِ عشقي البيضاء.. بين دفاترِ شعري ذات الأحزانِ الكبرى..
من جهة البحرِ.. إلى جهة الفجرِ الأخرى..
تخترق القلبَ عصافيرُ خضراء.. تنأى.. تنأى.. تنأى..
لحظةَ الإبحارِ صوبَ عشقي المستحيلِ في المساء.. تحضرُني كلُّ الأسماء..
لكن.. إذ أخرُجُ من حزني نحو مدائنَ خليةٍ.. ومشاتلَ حيرى..
أسألُ عن قلبي كلَّ الأشياء.. فتسيلُ الخضرةُ حتى أطرافِ العالم..
وأنا مشدودٌ بالفرحِ القادمِ تحت المطر الناعم..
إني مشتاقٌ لفرحٍ يمتدُّ بحجم العالمْ.. لكني اليومَ حزينٌ..
فالنهرُ فارقَ الضفافَ.. والشجرُ الأخضرُ أدمن اليبابَ في حضرة الفصولْ..
والوجهُ خان الضحكةَ وصاحبَ الذبولْ..
وأسيافُنا في النهار استُبيحَتْ.. ولم يضحك لنا الوردُ..
وأرقُبُ كما أكتُبُ.. وأكتبُ كما أقولْ.. لكني دائمُ الأسى في حضرة الذهولْ..
موجُ الكآبةِ يستنزِفُ العمرَ.. يستنفذُ العطرَ..
حزينٌ أنا اليومَ.. فالملتقى لن يكون على الجرحِ.. أو على الوردِ
لن يكون على البحرِ.. هكذا علَّمتني الظنونْ..
الملتقى لن يكون سوى في المنافي البعيدة..
تحت غيومِ التشرُّدِ.. بين الوريد.. وبين الوريدْ..
لكن.. قليلاً من الصبر يا فتى..
ثمَّةَ مئذنةٌ في السَّحابْ.. وثغرٌ يتمتمُ في كوة الدهرِ..
لحنٌ يغادرُ ثغرَ التضرُّعِ.. يستوطنُ الزمنَ المرَّ..
يُلقي عليهِ الدعاءَ قبل الرقادِ..
تجمَّل بالصبر يا فتى.. إن القصائدَ تنمو على وجيبِ القلبِ..
وعندَ حوافِ النهر.. وحينَ تشتعلُ الروحُ أو ينتشي الزهر..
إن القصائدَ تولدُ من رحمِ القهرْ.. تختالُ بوزنها البرزخيِّ الوقعِ..
ترتاحُ في غمرةِ الروحِ قرب مصطبةِ الهمسِ.. أو فوقَ سجَّادةِ الصلاةْ..
وفوق الدموع التي واعدتكَ.. تلمُّ النجومَ الحبيبةَ..
وتلملِمُ أشلاء العمرِ من أزقَّةِ الشتاتْ..
القصائدُ.. بعضٌ من دموعٍ.. أو أنسٌ في الحياةْ..
تنمو على وجيب القلبِ.. كزهرٍ لم يفارقه عطرٌ..
كغمامٍ تجمَّعَ.. ليسقي يباب الروحِ من ماءِ التجلي..
ويطلقُ صوت الرعودِ في ارتطامه.. فيرتدُّ للروحِ صدى التمتمات.